يمكن لتوترات الخليج أن تشعل فتيل صراع لا يريده أحد
يمكن لتوترات الخليج أن تشعل فتيل صراع لا يريده أحد
The Security Council Chamber in New York, October 2018. UN PHOTO/Manuel Elias
Speech / Middle East & North Africa 9 minutes

يمكن لتوترات الخليج أن تشعل فتيل صراع لا يريده أحد

خاطب رئيس مجموعة الأزمات ومديرها التنفيذي روبرت مالي في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2020 مجلس الأمن الدولي بشأن خطر الصراع في الخليج وسائر أنحاء الشرق الأوسط. وقال إن حواراً شاملاً بشأن الأمن الإقليمي قد لا يكون مرجحاً، لكن سيكون من قبيل انعدام المسؤولية عدم محاولة إجراء مثل ذلك الحوار.

السيد الرئيس، السيد الأمين العام، أعضاء الوفود الأكارم

مجموعة الأزمات منظمة تكرس نفسها لمنع وتسوية الصراعات المهلكة. وقد نشطنا مؤخراً في التحذير من مخاطر المواجهة في منطقة الخليج واقترحنا أفكاراً عملية تستند إلى الانخراط الدبلوماسي لتفادي مثل تلك المخاطر. إننا نؤمن بضرورة التحدث إلى جميع الأطراف والاستماع إليها جميعاً، وبالتالي فإننا نرحب بمبادرة الاتحاد الروسي التي تأتي في وقتها لتنظيم هذا النقاش المفتوح.

دعوني أبدأ ببيان ينبغي أن يكون مبعثاً لمخاوف كبيرة لكن في الوقت نفسه لا ينبغي أن يكون موضع جدل، وهو أن صراعاً يشمل المنطقة بأسرها ويلوح بشكل واضح في الأفق وعلى نطاق العالم هو صراع لا يبدو أن أحداً يريده، صراع تشعل فتيله التوترات الجارية في منطقة الخليج. يمكن القول إن الظروف المواتية لنشوب حرب ستؤثر ليس في الخليج وحسب بل في منطقة الشرق الأوسط الأوسع باتت أنضج من أي وقت مضى في ذاكرتنا الحديثة ويمكن أن تندلع في أي من الأماكن العديدة المؤهلة لذلك – في مضيق هرمز، في العراق، أو في اليمن. لكن نشوب مثل تلك الحرب ليس أمراً محتوماً؛ إذ إن أياً من الأطراف لا يرغب بها؛ وحتى الآن، أظهرت جميع الأطراف على الأغلب قدرة على معايرة أفعالها لتحاشي حدوث تصعيد. لكن حتى الأفعال المحسوبة بدقة يمكن أن يكون لها تداعيات غير مقصودة. وفي عدة مرات على مدى العامين الماضيين – خصوصاً الهجمات على منشآت أرامكو السعودية واغتيال الجنرال سليماني – بدا أن نشوب صراع إقليمي أمر محتمل.

إن صراعاً يشمل المنطقة بأسرها ويلوح بشكل واضح في الأفق وعلى نطاق العالم هو صراع لا يبدو أن أحداً يريده.

وفي كل واحدة من هذه المرات، تراجعت الأطراف خطوة إلى الوراء. ومنذ تلك الأيام التي سادتها تهديدات قصوى، انخفضت حدة التوترات إلى حد ما. لكننا لا نستطيع أن نكون واثقين من أن جميع الأطراف ستظهر دائماً ذلك القدر من ضبط النفس. إن هجوماً واحداً بصاروخ، أو طائرة مسيرة أو لغم بحري من شأنه أن يطلق تصعيداً عسكرياً بين الولايات المتحدة وإيران والحلفاء الإقليميين والمجموعات الوكيلة لكل منهما قد يتبين أن من المستحيل احتواءه.

وثمة بيان ثانٍ لا ينبغي أن يكون موضع جدل أيضاً، وهو أن هذا الوضع لا يخدم مصالح أي طرف. لا مصالح دول مجلس التعاون الخليجي مثل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، التي استُهدفت سُفنها التجارية وأراضيها بهجمات تشك الدولتان، كما يشك آخرون، بقوة أنها انطلقت من إيران. كما أنه لا يخدم مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي وجدت نفسها ضحية حملة ضغوط شرسة ألحقت ضرراً واضحاً باقتصادها ورفاه مواطنيها، وكلّفتهم حياة أحد أهم قادتهم في غارة جوية أميركية. كما أنه لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، التي لم يتحقق أي من أهدافها المعلنة لانتهاك خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي تتعرض قواتها في العراق الآن للتهديد. ولا يخدم هذا الوضع مصالح أطراف ثالثة ترغب بوجود منطقة خليج مستقرة لأسباب استراتيجية أو اقتصادية. كما أنه، وقد يكون هذا الأكثر أهمية، لا يخدم مصالح مواطني المنطقة – اليمنيين والليبيين، الذين عانوا أكثر من غيرهم من التوترات الخليجية الداخلية، ولا شعوب الشرق الأوسط بأسره – الذين تقوضت تطلعاتهم إلى حياة لائقة وسلمية بسبب الخصومات وغياب التعاون بين حكوماتهم.

والسؤال الأول الذي أرغب بطرحه في ملاحظاتي اليوم هو: لماذا يكون الوضع على ما هو عليه. والسؤال الثاني، ما الذي يمكن فعله حيال ذلك. ولا شك لدي أن جميع الأطراف سيكون لها اعتراضات على أجزاء مما سأقوله، وهو ما أعتقد أنه يحقق غرضي من تناوله.

ثمة العديد من الأسباب الكامنة خلف الاستقطاب الحاد الذي أصاب منطقة الخليج وتفسر الخلافات العديدة فيها – بين الولايات المتحدة وإيران، وبين إيران والسعودية، وكذلك بين دول مجلس التعاون الخليجي نفسها – وهي الخلافات التي تتقاطع بأشكال خطيرة وقد تكون انفجارية. وسأركز على أحد هذه الأشكال، أي الرؤى المتباينة جداً لمصادر التوترات، طبقاً لما إذا كنت جالساً في واشنطن، أو طهران، أو الرياض، أو أبو ظبي، أو الدوحة أو في مكان آخر.

السعودية وحلفاؤها يرون في سياسات إيران – في سورية، أو العراق، أو لبنان أو اليمن – طموحات لقوة ترغب في أن تكون مهيمنة؛ ويرون في الجمهورية الإسلامية تهديداً متنامياً لا بد من كبح جماح تطلعاته الإقليمية خشية أن تطوقهم بشركائها ووكلائها. طهران من جهتها ترى منطقة تهيمن عليها القوى المدعومة من الولايات المتحدة والتي تتمتع بقدرات عسكرية متفوقة وعازمة على عزلها وإضعافها. كما أنها تنظر إلى السعودية والإمارات على أنهما متواطئتان مع الولايات المتحدة لإخضاعها اقتصادياً وفي النهاية استبدال قيادتها. ومن منظور قادة إيران إلى العالم، وهو منظور تشكل في البوتقة المؤلمة التي شكلتها الحرب الإيرانية – العراقية التي دامت ثماني سنوات، وفي مواجهة خصوم مسلحين تسليحاً أثقل من تسليحها، فإنهم يعتنقون العقيدة الاستراتيجية للبلاد التي تستند إلى قدراتها العسكرية غير المتماثلة ودعم حلفائها الإقليميين، بما في ذلك القوى المسلحة الفاعلة خارج إطار الدولة.

 

ما يفاقم الأمور هو غياب أي آلية مؤسساتية للتعبير عن مظالم الأطراف

ما يفاقم الأمور هو غياب أي آلية مؤسساتية للتعبير عن مظالم الأطراف، وعلى الأقل محاولة تضييق الفجوات فيما بينها. وبالفعل، لا يوجد الآن أي قناة تواصل حقيقية بين الولايات المتحدة وإيران، ولا قناة رسمية بين إيران والسعودية، ولا وجود يذكر لدبلوماسية حقيقية بما يتجاوز المماحكات الخطابية بين دول مجلس التعاون الخليجي المتخاصمة. كما أنه لا يوجد منظمة إقليمية واحدة تحتضن جميع اللاعبين في منطقة الخليج ويمكن أن تشكل إطاراً لبناء الثقة وإجراءات خفض التصعيد.

في الواقع فإن المنظمات الموجودة تنزع إلى تغذية التوترات. وكل ما تفعله الأطراف ينزع إلى تعزيز التصورات المسبقة القائمة لدى خصومها. ما تقدمه طهران على أنها سياسات دفاعية مصممة لتقليص التهديدات التي تواجهها، ترى فيها الرياض والأطراف الأخرى أفعالاً عدوانية. ومن المؤكد أنها تدفع خصوم إيران إلى مقاومتها، وبهذا الشكل، فإن النهج الحالي للجمهورية الإسلامية يشكل صيغة لعدم استقرار إقليمي دائم. وفي السياق نفسه، فإن الجهود التي تبذلها واشنطن، والرياض وأطراف أخرى تركز حصرياً على ردع إيران بشكل عدواني من المرجح أن تدفع القيادة الإيرانية إلى تعزيز نهجها الحالي. وبشكل خاص فإن حملة ممارسة "أقصى درجات الضغط" التي تشنها الولايات المتحدة بدعم وتشجيع من معظم شركائها الخليجيين، مصحوبة بإمدادات وافرة من الأسلحة التقليدية من قبل الحكومات الغربية لتلك الدول الخليجية يدفع إيران حتماً إلى تكثيف استخدامها لأدواتها غير المتماثلة.

في هذه الحال، ما الذي ينبغي فعله؟

لدى مجموعة الأزمات إيمان راسخ بقوة الدبلوماسية، ونرى أمثلة على المحاولات الناجحة لخفض التصعيد الإقليمي.

لقد تمثلت إحدى تلك السوابق في الاتفاق النووي الإيراني، أو خطة العمل الشاملة المشتركة. وقد شاركتُ في تلك المفاوضات، وبالتالي أعترف بانحيازي. فأنا مقتنع بأن الاتفاق ساعد على تخفيف حدة التوترات وكان من شأنه أن يمهد السبيل إلى دبلوماسية أوسع وأكثر كثافة؛ ولهذا السبب، فإن منظمتي عبّرت عن أسفها لقرار الولايات المتحدة الانسحاب وأشادت بالجهود الأوروبية لإبقاء خطة العمل الشاملة المشتركة حيّة. لكني أعي أن وجهات نظر المجتمعين هنا اليوم تتفاوت، ولست بصدد إعادة تقييم تلك المسألة مرة أخرى.

نجحت المفاوضات [بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة] ليس بفضل الثقة المتبادلة، بل لأنها كانت متعددة الأطراف

المغزى هو أنه، سواء كان المرء يدعم خطة العمل الشاملة المشتركة أم لا، فإنها توفر عدة دروس. فقد نجحت المفاوضات ليس بفضل الثقة المتبادلة، بل لأنها كانت متعددة الأطراف، ولأنها جمعت الضغوط المتبادلة إلى الأهداف الواقعية، ولأن مختلف الأطراف اعترفت بالمصالح الجوهرية لبعضها بعضاً.

واستناداً إلى هذه الاعتبارات، نشرت مجموعة الأزمات تقريراً في نيسان/أبريل الماضي بعنوان الشرق الأوسط بين الأمن الجماعي والانهيار الجماعي، يبين الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتقليص مخاطر الحرب. وستكون فرضيته الرئيسية مألوفة للعديد منكم، وهي أن منطقة الخليج بحاجة لإطلاق حوار أمني جماعي وشامل يضم الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وإيران والعراق، ويهدف إلى تقليص حدة التوترات.

الحكومات الخليجية الأقل انخراطاً في الأعمال العدائية لكن التي يمكن أن تتضرر إذا اندلع القتال – وأنا أفكر هنا بالكويت وعُمان – يمكن أن تسعيا بشكل مشترك إلى إشراك جيرانهما الأكثر قوة والمنخرطين بشكل مباشر في الصراع – إيران، والإمارات والسعودية – في مثل تلك الآلية غير الرسمية.

كما يمكن للحكومات الأوروبية وغير الأوروبية ذات الصلة أن تيسر العملية، وأن تساعد في نقل بعض الرسائل في المرحلة الأولى للتواصل، وتقديم المشورة التقنية والتشجيع الهادئ مع تطور العملية. وسيكون الهدف الأول ببساطة فتح قنوات التواصل.

ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً مهماً؛ فقرار مجلس الأمن الدولي 598 (1987)، الذي أنهى الحرب الإيرانية – العراقية، يوفر تفويضاً للأمين العام لإجراء حوار أمني إقليمي يضع الأرضية اللازمة لبنية أمنية مقبولة لجميع الأطراف. وكما سمعنا للتو من الأمين العام، فهو مستعد لفعل ذلك. في الحد الأدنى، ينبغي على مجلس الأمن تشجيع وإقرار عملية بقيادة خليجية إذا بدأت تلك العملية بالترسخ.

يمكن للنقاشات داخل الآلية الأمنية الخليجية، بوحي من عملية هلسنكي، أن تبدأ بمحاولة التوصل إلى اتفاق على المبادئ المشتركة الحاكمة للعلاقات بين الدول، مثل عدم التدخل (سواء مباشرة أو من خلال وكلاء محليين) واحترام سلامة أراضي كل دولة، ومحاولة تحديد دوافع كل طرف، وهواجسه الرئيسية وتصوراته للتهديدات. ومن ثم يمكن لهذه الخطوات أن تتطور إلى إجراءات بناء ثقة ملموسة.

في البداية، يمكن لهذه الإجراءات أن تشمل خطوات متواضعة مثل تخفيف حدة الخطاب التحريضي؛ وإصدار بيانات أحادية داعمة للحوار وبيانات مشتركة تبين المبادئ والمصالح المشتركة؛ أو فتح قنوات اتصال مباشرة، مثل الخط الساخن لمنع الصراع بين دول الخليج ومع اللاعبين الخارجيين الذين تنتشر أصولهم العسكرية في الخليج.

كما يمكن لمختلف الأطراف أن تعالج المسائل ذات الاهتمام المشترك، مثل الآثار السلبية العابرة للحدود للتغير المناخي، وتدهور جودة المياه، والاستعداد للكوارث، وانتشار كوفيد–19، والأمن البحري والسياحة الدينية والحج. ويمكن للأمم المتحدة، من خلال العدد الكبير لوكالاتها التقنية، أن تدعم هذه المبادرات.

إذا بدأت النقاشات الأولية بتحقيق النتائج، وعندما يحدث ذلك، يمكن تطويرها لتركز على سبل خفض تصعيد التوترات عبر آليات أمنية مشتركة مثل الإبلاغ المسبق عن تحركات القوات والمناورات العسكرية أو السماح للخصوم بإرسال خبراء عسكريين لمراقبة مثل تلك المناورات.

في النهاية، يمكن للأطراف الخليجية أن تستكشف سُبل تعزيز إطار تعاون أمني دائم يشمل جميع الأطراف المعنية.

ثمة الكثير مما يمكن، بل ينبغي فعله، خصوصاً اتخاذ خطوات لتسوية الصراعات العديدة، من سورية إلى ليبيا إلى اليمن، والتي تغذت على التوترات القائمة بين السعودية وإيران وكذلك على التوترات بين الإمارات، ومصر، وتركيا وقطر، والتي تسببت بمعاناة إنسانية لا يمكن وصفها وتبقى نقاط اشتعال محتملة لحريق أوسع.

التهديد الرئيسي الذي تواجهه المنطقة اليوم ليس حرباً اختيارية بل حرباً غير مقصودة تنتج عن خطأ في الحسابات، أو سوء تفسير أو غياب التواصل في الوقت المناسب

الحد الأدنى هو ما يلي: التهديد الرئيسي الذي تواجهه المنطقة اليوم ليس حرباً اختيارية بل حرباً غير مقصودة تنتج عن خطأ في الحسابات، أو سوء تفسير أو غياب التواصل في الوقت المناسب. لقد أتقن اللاعبون الرئيسيون في منطقة الخليج لعبة حافة الهاوية إلى درجة ممارسة هذه اللعبة على الحافة تماماً. وقد كانت النتيجة تمزق الخط الفاصل بين حالة الحرب واللا حرب. ولتوليد الإرادة السياسية اللازمة للعمل، فإن أسوأ الأوقات يوفر أفضل الفرص، ويمكن القول إن الظروف السائدة في الخليج قد وصلت إلى تلك النقطة.

قد يكون أمام حوار أمني إقليمي جماعي وشامل يهدف إلى تخفيف حدة التوترات فرصة ضئيلة في التحقق، بل فرصة أقل في النجاح. لكن في ظل الظروف الراهنة سيكون من قبيل انعدام المسؤولية عدم المحاولة.

أود أن أغتنم هذه الفرصة للتعبير عن نقطة واحدة أخيرة. نحن نسعى ما وسعنا كي نكون منظمة حيادية لتسوية الصراعات، وآمل أن تكونوا قد تبينتم ذلك في الأفكار التي طرحتها اليوم. وهذا ما يفعله موظفونا – إنهم يحاولون فهم مناظير جميع الأطراف، وعكسها بأفضل ما يمكنهم ذلك، واقتراح حلول براغماتية. وهذا ما كان يفعله زميلنا مايكل كوفريغ في عمله على السياسة الخارجية الصينية. وهذا ليس المكان أو الوقت المناسب لمناقشة قضيته. لكني لا أستطيع أن أختتم دون مناشدة السلطات الصينية، إذا كانت تسمعنا، أن تتفهم المهمة التي كان يقوم بها، وإنهاء اعتقاله المستمر لنحو عامين تقريباً، والسماح له أخيراً أن يعود إلى أحبته ويستمر بالعمل وصولاً إلى عالم أكثر سلمية.

شكراً لكم.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.